إنها مشكلة كبيرة على كافة المستويات والأصعدة، انتشرت في البلاد
انتشار النار في الهشيم، لا فرق بين المدن الكبيرة والأرياف، لا فرق بين كبيرة
وصغيرة ولا بين محجبة وسافرة، كلهن يتعرض لها، حتى باتت تؤرق المهتمين بها
المدركين لخطورتها، يسعون لإيجاد علاج لها، ولكن الكثيرين منهم، يعالج نتائج
الظاهرة فقط، بناء على رؤيته القاصرة، وقليل منهم من يتطرق إلى أسبابها، ويتعمق في
تحليلها، ليصل إلى العلاج الكامل الصحيح، الذي يعالج جذور المشكلة ونتائجها
وتداعياتها في آن واحد، دون إفراط ولا تفريط.
نعم .. إنها مشكلة بل جريمة التحرش الجنسي، تلك الجريمة التي طفت على
السطح قبل سنوات، وكانت في البداية تحرش لفظي، إلا أنه قبل سنوات قليلة وفي أحد
الأعياد، ظهرت المشكلة بشكل فج، في محاولات التحرش الجسدي بالفتيات في وسط العاصمة
المصرية القاهرة، في وضح النهار، في ظل عجز الأهالي والمارة عن حماية الفتيات من
الذئاب المفترسة، وتكررت تلك الظاهرة الكارثية -التي لا يمكن نعتها بأقل من
الإجرام- مرارا وتكرارا، دون أن يتم الوصول إلى حل لها، وقد تفاقمت حتى بلغت حدا
غير مسبوق.
نظرة ضيقة وعلاج خاطئ
عندما تثار هذه القضية في مناسبات مختلفة، ونستمع لآراء الناس حولها،
نجد الكثير من القصور في النظر، وعدم وضوح للرؤية، مع إصرار كامل على أن آرائهم هي
الصواب المطلق، مع أنها آراء بنيت على أهواء ليس أكثر، ولو أنهم خرجوا من نطاق
الأفكار المسبقة التي زرعت في عقولهم منذ الصغر لتغيرت مواقفهم وصارت لهم آراء
مختلفة أو ربما مناقضة لما يقولونه.
من ضمن هذه الآراء، هي المحاولات المستميتة
من قبل البعض بتحميل الفتيات وحدهن المسئولية الكاملة عن تلك الجريمة، وأنه لولا
أنها خرجت من بيتها سافرة بغير حجاب، وبملابس ضيقة مثيرة للشهوة، مخالفة تماما
لأحكام الشرع الحنيف، وللأعراف والتقاليد، ولولا سلوكها السيئ وتصرفاتها المشينة
وحركاتها .. إلخ، لما تعرضت لما تعرضت له، ولما سمعت ما سمعت من هؤلاء الشباب بل
الذئاب، متناسين أن هؤلاء الذئاب لا يفرقون بين ملتزمة بالزي الشرعي وغير
الملتزمة، وإن كان تعرضهم لغير الملتزمة أكثر بالطبع، إلا أنهم يتعرضون أيضا
للمحجبات والمنتقبات، وهو ما يؤكد أن الفتاة لا تتحمل المسئولية وحدها.
ويتزعم هذا الرأي الكثير من الشباب، وبالطبع على رأسهم هؤلاء الذئاب
الذي لا يأبهون لخلق ولا لدين، والكثير ممن يعتنقون الفكر الذكوري، الذين يبررون
لأنفسهم أي شئ يقومون به ويلقون باللائمة كلها على النساء، معتبرين أنهن كلهن
سيئات وشياطين، وبعضهن –للأسف الشديد- يبرر موقفه بقول النبي الكريم صلى الله عليه
وسلم [إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ
شَيْطَانٍ]، وكأنهم لم يقرأوا من الأحاديث كلها غير هذا الحديث، دون أن يفهموا أن
معنى الحديث هو أن الشيطان يزين أمرها ويحث عليها إذا خرجت في غير الصورة التي يجب
أن تخرج بها، أي بدون حجاب، وليس في الحديث تشبيه للنساء بالشياطين أبدا، بل إن
النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أكد أنهن شقائق الرجال.
في المقابل تجد المنظمات النسوية التي
تطالب بحرية الوصول إلى المرأة وحرية المرأة في فعل ما تريد، تحمل الشباب
المسئولية الكاملة عن تلك الجريمة، رافضة أي حديث يدور حول ضرورة احترام الأعراف
والتقاليد والشريعة الإسلامية، أو الالتزام بالسلوك القويم، زاعمين أن الحرية تمنح
المرأة الحق في فعل كل شئ دون أن يكون هناك تعقيب على فعلها، أو مواجهتها ورفض هذه
الأفعال.
إن التفكير العملي عند مواجهة أي مشكلة، يبدأ بدراسة هذه المشكلة
أسبابها ونتائجها وخطورتها، ثم البحث عن حلول لها تتناسب مع طبيعة المجتمع
وتقاليده والأحكام التي تقيده، للوصول إلى حلول مرضية حقا، وليست مجرد مسكنات،
تسمح بتفاقم الظاهرة في الخفاء حتى تنفجر فجأة، أما التفكير السيئ والتفسير الخطأ
لأي ظاهرة، دائما يقود إلى الفشل في العلاج، فكيف إذا كانت القضية بحجم قضية
التحرش وخطورتها وتداعياتها؟!، بالتأكيد ستكون كل الحلول المطروحة بناء على هذه
الأفكار الخاطئة غير صالحة لعلاج المشكلة.
تحميل طرف واحد فقط مسئولية هذه الجريمة، هو بالتأكيد خطأ فادح،
فالذي يتحمل مسئولية هذه الجريمة هم الشباب الذين اخترقوا كل القيم والأخلاق
والعادات والتقاليد الاجتماعية، وباتوا ذئابا بشرية لا تفرق بين الإنسانية
والبهيمية، والفتيات اللاتي اعتقدن أنهم في عالم خاص بهن أو أنهن أحرار فيما
يفعلن، فصرن كاسيات عاريات مائلات مميلات، فاتنات مضلات، وكذلك فإن المجتمع
والإعلام والمؤسسات التربوية كلهم مسئولون عن هذه الجريمة بشكل أو بآخر.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
شكرا لكم يااصدقائي على المعلومات