تغيير لون الصفحة

دور القيم الاسلامية في الحضارة المعاصرة

الكاتب : Unknown on الاثنين، 17 فبراير 2014 | الاثنين, فبراير 17, 2014



ومما يميز ديننا الاسلامي انه دين القيم والمتمثلة في مصدر التشريع الاسلامي القرآن والسنة النبوية قال الرسول عليه الصلاة والسلام بعثت لأتمم مكارم الأخلاق .
ومفهوم القيم بأنها مجموعة المعتقدات والاتجاهات والميول التي نمارسها في حياتنا ونعتقد بأنها صحيحة .
ويشير المعنيون بمفهوم القيم بأن القيم عبارة عن منظومة متنوعة فمن هذه القيم القيمة الدينية والاقتصادية والاجتماعية والانسانية والبيئية والرياضية والوطنية والصحية .
وهناك قيم عالمية تشترك فيها جميع شعوب العالم ومنها الانسان الصالح الذي يحمل قيمه في كل مكان يذهب اليه فليست القيم محددة بمكان الشخص الذي يعيش فيه بل من خلال وجوده وحياته .
وهناك قيم التسامح والمسؤولية وقيم احترام الآخر والتعامل معه وقيم التعاون وقيم التقدير وقيم التعايش وقيم احترام الثقافات وقيم احترام الذات وقيم العدالة والحوار والسلام والصدق
نسمع بين الحين والآخر كلاماً وندوات ومحاضرات من هنا وهناك تتحدث عن القيم الحضارية في النظام العالمي الجديد، تلك القيم التي تتبناها أمريكا وحلفاؤها، وتريد من المجتمعات الشرقية أن تتابعها على هذه القيم مع ثبوت فشلها في مواطنها الأصلية ومسقط رأسها، ومن ناحية أخرى فإن بعض المغفلين من أبناء المسلمين قد ظنوا أن الإسلام قد ذهبت حضارته وولى نوره وأننا محتاجون إلى تلك القيم وتلك الحضارات وأن التقدم والرقي لا يكون إلا باتباع حضارات الغرب وقيمهم وأخلاقهم، ولكن الله سبحانه وتعالى يكشف كل يوم زيف هذا الادعاء فتسقط قيمهم واحدةً تلو أخرى وتتهاوى شعاراتهم التي يطلقونها في العالم يوماً بعد يوم، ومع ذلك فلا زال قوم من بني جلدتنا يدندنون حول حضارات الغرب وقيمه وأخلاقه ويزعمون أنها سبب الرقي والتقدم، ومن أجل هذا وذاك كان لابد من الحديث حول مفهوم القيم الحضارية عندنا نحن (المسلمين) فبضدها تتميز الأشياء.
مفهوم القيم الحضارية:
القيم في اللغة: مصدر بمعنى الاستقامة وقد قال الله تعالى: {دِينًا قِيَمًا} [الأنعام:161] أي: ديناً مستقيماً لا عوج فيه، وقال سبحانه: {وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ} [البيِّنة:5] قال ابن كثير: "دين الملة القائمة العادلة أو دين الملة المستقيمة المعتدلة"، وتأتي القيم في الاستعمال اللغوي بمعنى الأمر الثابت الذي يحافظ عليه الإنسان ويستمر في مراعاته، كما أنها تدل على الانتصاب والعدل والثبات.
أما في اصطلاح الناس فإن القيم: مجموعة المعايير والأحكام النابعة من التصورات الأساسية للإنسان فتكون لدى الفرد والمجتمع سلوكيات واهتمامات مؤثرة في حياتهم (هذا على سبيل العموم).
أما القيم في المصطلح الإسلامي: فإنها تلك التصورات والمفاهيم الصحيحة للكون والإنسان والحياة المستنبطة من خصائص التصور الإسلامي ومقوماته، وهي التي يتميز بها المسلم عن غيره من الناس.
ومن خلال تعريفنا للقيم الحضارية الإسلامية نلاحظ أننا نربطها بمصدرها الأساسي الذي هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقيم الإسلام وحضارته مصدرها القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
كما أن القيم الإسلامية تمتاز عن غيرها بالشمول والتكامل؛ فهي شاملة كاملة تنظم علاقة الإنسان بالكون والحياة وبربه وتنظم علاقته مع بني جنسه، وكذلك تقوم هذه القيم على التوحيد وإفراد الله سبحانه وتعالى بالألوهية والربوبية والملك والتدبير والتحليل والتحريم، وتقوم أيضاً على العدل والمساواة وعلى مبدأ الوسطية والاعتدال: وسطية ليس فيها غلو في جانب الماديات ولا غلو في جانب الروح، وسطية ليس فيها غلو في جانب الدنيا ولا في جانب الآخرة، وسطية ليس فيها غلو في حقوق الفرد ولا غلو في احتياجات الجماعة المسلمة، أما حضارات اليوم فلا تخلو من تطرف وغلو في واحد من هذه الجوانب، فهي إما حضارات مادية بحتة أهلكت جانب الروح أو حضارات روحية بحتة أهلكت جانب المادة، أو حضارات اهتمت بالدنيا وألغت الآخرة أو العكس اهتمت بالآخرة ببدع ورهبانية وألغت الدنيا.
وتتميز القيم الحضارية الإسلامية أيضاً: بأنها مستمرة وعامة؛ لأن الذي أوجدها وشرعها وأمر بها هو الله الذي لا تخفى عليه خافية.. الذي يعلم ما يصلح الكون والحياة.
كما تتميز أيضاً: بالمرونة التي تجعلها صالحة لكل زمان ومكان، وهي مع ذلك تراعي جانب الثبات وجانب المرونة، أما قيم اليوم فقد تغيرت وتبدلت فما كان حراما ًبالأمس صار حلالاً اليوم وهكذا؛ لأنها لا ثبات فيها ولا مرونة، وكذلك فحضارات اليوم متناقضة من مكان لآخر ومن وقت لآخر؛ لأنها نتاج أفكار البشر المجردة.
وتميز القيم الحضارية الإسلامية: بأنها تربط الدنيا بالآخرة جزاءً وعقاباً أجراً وثواباً بخلاف القيم الحضارية الوضعية اليوم فإنها توجد أناساً يهابون القانون ويراقبون الأشخاص فحسب خوفاً من الغرامة والعقوبة في حالة المخالفة، القيم الوضعية توجد مواطنين صالحين في بلدانهم، فإذا خرجوا منها تجاوزوا وتعدوا؛ لأنها قيم مرتبطة بالأشخاص فحسب.

أما القيم الحضارية الإسلامية فإن الرقيب هو الله تعالى الذي يطلع على خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فهي دائمة في الظاهر والباطن في كل زمان ومكان، وتنشئ فرداً صالحاً يحترم هذه القيم سواءً كان في وطنه أو غير وطنه فلا يتعدى ولا يخالف؛ لأنه يعلم بوجود جزاء دنيوي وأخروي لا يمكن التهرب منه.

إن القيم الحضارية التي لابد من إبرازها اليوم موجودة في المجتمع المسلم إلا أنها أصيبت بنوع من الإقصاء أو بنوع من المنافسة الشديدة من قبل الحضارات الأخرى، وأصيبت بجهل أبنائها وظلم أعدائها لها.

إن هناك قيماً حضارية ثابتة وأخرى مرنة، وهذا ضابط مهم لابد من معرفته: فالكذب ما كان يوماً حلالاًً بعد أن كان حراماً بل هو حرام مطلقاً، وغير ذلك من القيم الثابتة المرتبطة بعقيدة الإنسان وثوابته وأخلاقه وتصوراته.
لو نظرنا إلى الأخلاق الموجودة عند الحضارات الوضعية لرأينا التناقض العجيب فإلى زمن قريب كان الشذوذ أمراً مستقبحاً مرفوضاً، ثم مع كثرة الشاذين وموافقة بعض مجالس التشريع في بعض الدول صار الشذوذ قيمة حضارية وألحقت بحقوق الإنسان وبكرامته وأنه يجب أن يحافظ عليه وأن يدعم مثل هذه القيمة، فأي اختلال وفساد أعظم من هذا الذي سببه ربط هذه القيم بالنفس الإنسانية التي إذا فسدت فإنها تقلب المعروف منكراً والمنكر معروفاً، وتريد أن تجعل من أهوائها قيماً وحضارةً وتصوراً، أما القيم الحضارية الإسلامية فإنها مرتبطة بالشرع وبالمحلل والمحرم وهو الله تعالى الحي الذي لا يموت ولا ينسى تعالى في علاه.
وهذا لا يعني أنه لا يوجد بعض الجزئيات المرنة في بعض الأحوال بل هي موجودة ولكنها مضبوطة بضوابط الشرع، فالكذب كما ذكرنا محرم وهو قيمة حضارية ثابتة غير أنه قد يجوز أحياناً عند حصول مصلحة راجحة منه كما لو كان في الحرب أو على الزوجة أو للإصلاح بين الناس، لكن تبقى القيمة كما هي عليه في حكمها الشرعي الأصيل.
والقيم الحضارية الإسلامية شاملة للكليات الخمس التي تقوم عليها حياة الناس وهي: الدين والنفس والعقل والنسل والمال وهذه الكليات الخمس هي التي اتفقت الشرائع السماوية كلها على المحافظة عليها، ولا يوجد من يخالف ذلك إلا بعد التبديل والتغيير الذي حصل في تلك الديانات.
الدين: قيمة حضارية يجب المحافظة عليها ولذلك حرمت الردة، وجاء حكم قتل المرتد من أجل الحفاظ عليها، والدين هو الذي ينظم علاقة العبد بربه سبحانه وتعالى.
كذلك النفس: قيمة حضارية مهمة يجب المحافظة عليها، ولذلك حرم قتل النفس وحرمت كثير من الأشياء التي تؤذي النفس الإنسانية وتفسدها، لقد جاء الإسلام لينظم علاقة الفرد مع نفسه وينظم علاقة هذه النفس مع غيرها.
العقل: الحفاظ عليه قيمة حضارية مهمة، ولذلك حرمت المسكرات والمخدرات وكل ما يذهب بعقل الإنسان أو يفسده، ولو كانت المفسدات معنوية كالشبهات والسحر ونحوها، والحفاظ على هذه القيمة ينظم علاقة الفرد بالجوانب الفكرية والعقلية مع نفسه ومع من حوله من البشر.
النسل: قيمة حضارية أجمعت عليها الديانات كلها، ولننظر كيف غيرت الحضارة الغربية اليوم هذه القيمة حتى صارت أعظم القيم انتهاكاً، فأباحوا كل ما من شأنه أن يفسدها ويأتي عليها من أصلها بالنقض والإفساد، لقد حرم الإسلام الزنا واللواط والاختلاط والإجهاض وحرم كل ما يفسد على الناس نسلهم وأسرهم ومجتمعاتهم، ومن خلال الحفاظ على هذه القيمة تنتظم علاقة الفرد بغيره من الناس.
المال: قيمة حضارية معترف بها في سائر الملل والديانات من حيث اكتسابه وادخاره وإنفاقه، لكن الحضارة الغربية اليوم سنت كثيراً من الأحكام التي انتهكت حرمة هذه القيمة، فأباحت الربا والغش والخداع وغسيل الأموال والسرقة والاختلاس وغير ذلك مما يفسد هذه القيمة العظيمة.
إذا نظرنا إلى شمول القيم الإسلامية وعملنا مقارنة بسيطة مع القيم الغربية المعاصرة فإننا نعرف مقدار نعمة الله سبحانه وتعالى علينا في ثبات هذه القيم واستمرارها ومرونتها وصلاحها لكل زمان ومكان.
وإذا كانت القيم في الغالب إذا أطلقت قصد بها القيم الأخلاقية، لكن هناك فرق بين الأخلاق والقيم وإن كان هناك تقارب في مفهومهما، غير أن القيم أوسع في مفهومها ومدلولها من الأخلاق؛ لأن الخُلق يستند في الحقيقة إلى قيم، وهذه القيم ثابتة وراسخة في سلوك الفرد والمجتمع، ولذلك كانت القيم أوسع من الأخلاق، وتؤتي القيم وظائفها على مستوى الفرد والمجتمع، ومن ذلك أن الإنسان إذا صلحت قيمه وحافظ عليها فإنها تحدد أشكال وأنماط سلوكه في المجتمع، فمن يرى قيمةً معينةً ويؤمن بها فإنها ستؤثر على سلوكه ثأثيراً كبيراً سلباً أو إيجاباً بحسب تلك الصفة وتلك القيمة.

والقيم التي يحتاج إليها المجتمع اليوم موجودة في ديننا الحنيف ولكنها بحاجة إلى إظهار وبسط حتى يتم الانطلاق من قيم ثابتة تضمن لنا النجاح في الحياة.

الغرب اليوم يحمل بعض القيم والأخلاق التي تتعرض كل يوم للانحراف بحسب مصلحة الأشخاص، أما في المجتمع المسلم القيم تعطي الفرد فرصة لتحقيق رضا الله تعالى عليه من خلال معاملته الحسنة وسلوكه الحسن في المجتمع الذي يعيش فيه قال صلى الله عليه وسلم: «من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس» [ابن حبان: (1/511) (277) عن عائشة]. فالقيم الحضارية الإسلامية تنظر إلى جانب علاقتك بالله ورضا الله تعالى عليك، فإذا فعلت ما يرضي الله يسر الله لك رضا الخلق عنك ولو سخطوا عليك في بداية الأمر.
كما أن القيم الحضارية تعطي الفرد فرصة لتحسين وعيه وعقيدته وسلوكه في إطار المجتمع الذي يعيش فيه، وكذلك تضبط شهواته ومطامعه؛ لأنه يعيش في مجتمع يحافظ على الأخلاق والقيم، وكذلك تبعده عن جوانب التعقيد والقلق والاضطراب الذي تعيشه المجتمعات التي تدعي الحضارة والتقدم، وهي أكثر المجتمعات قلقاً واضطراباً، ونظرة واحدة في الإحصائيات الأخيرة في عدد من ينتحرون في البلدان الغربية نجد القلق والتعقيد والاضطراب بجلاء بما لا يحتاج إلى دليل.
إن المجتمعات الغربية وإن ظهر أنها مجتمعات متقدمة مادياً لكنها تعاني من نكسة سلوكية وأخلاقية، وإلا فما الذي يدفع الشخص إلى إهدار دمه وإزهاق روحه، وقد توجد بعض الحالات في بعض المجتمعات الإسلامية لكنها قليلة جداً عند المقارنة بما يحصل في الغرب.
إن القيم الحضارية الإسلامية تعمل على تماسك المجتمع، واليوم قد تصاب بعض المجتمعات بالتشتت والانقسام والتمزق نتيجة لتمزق القيم؛ لأن القيم هي الرباط والوشاج الذي يلف المجتمع ويربطه ويضبطه ويدافع عنه، كذلك القيم الصحيحة تحافظ على استقرار المجتمع وأمنه وهدوئه وسكينته؛ لأنها مرتبطة بمراقبة العبد لربه سبحانه وتعالى فيعمل ما يرضي الله ويبتعد عما يسخطه، أما في المجتمعات التي فسدت فيه القيم فإن الأجهزة الأمنية تتعب كثيراً؛ لأنها تراقب الأفراد الذين ينظرون إن وجد ما يدل على انكشافهم امتنعوا وإن لم يروا أحداً فعلوا تلك الجرائم وتلك الموبقات، أما القيم الإسلامية فإنها تضبط سلوك الإنسان وتضبط المجتمع فتساعد على أمنه واستقراره، وإذا نظرتم في التقارير التي تعملها مراكز الأبحاث الإستراتيجية الغربية حول المجتمع المسلم فإنها تنظر إلى هذه الصورة وهي: لماذا تقل الجريمة في المجتمعات المسلمة، ولماذا المجتمعات المسلمة مترابطة ومتماسكة، ولماذا الأسرة المسلمة محمية، ولماذا توجد علاقات بين الأفراد في المجتمع المسلم، ثم يقيمون الأبحاث من أجل تمزيق الأسرة المسلمة ويتهمونها بأنها مجتمعات متخلفة ورجعية ونحو ذلك من التهم التي تنبئ عن مدى حقدهم وحسدهم..

مواقع عربية بتصرف

0 التعليقات:

إرسال تعليق

شكرا لكم يااصدقائي على المعلومات

الاثنين، 17 فبراير 2014

دور القيم الاسلامية في الحضارة المعاصرة



ومما يميز ديننا الاسلامي انه دين القيم والمتمثلة في مصدر التشريع الاسلامي القرآن والسنة النبوية قال الرسول عليه الصلاة والسلام بعثت لأتمم مكارم الأخلاق .
ومفهوم القيم بأنها مجموعة المعتقدات والاتجاهات والميول التي نمارسها في حياتنا ونعتقد بأنها صحيحة .
ويشير المعنيون بمفهوم القيم بأن القيم عبارة عن منظومة متنوعة فمن هذه القيم القيمة الدينية والاقتصادية والاجتماعية والانسانية والبيئية والرياضية والوطنية والصحية .
وهناك قيم عالمية تشترك فيها جميع شعوب العالم ومنها الانسان الصالح الذي يحمل قيمه في كل مكان يذهب اليه فليست القيم محددة بمكان الشخص الذي يعيش فيه بل من خلال وجوده وحياته .
وهناك قيم التسامح والمسؤولية وقيم احترام الآخر والتعامل معه وقيم التعاون وقيم التقدير وقيم التعايش وقيم احترام الثقافات وقيم احترام الذات وقيم العدالة والحوار والسلام والصدق
نسمع بين الحين والآخر كلاماً وندوات ومحاضرات من هنا وهناك تتحدث عن القيم الحضارية في النظام العالمي الجديد، تلك القيم التي تتبناها أمريكا وحلفاؤها، وتريد من المجتمعات الشرقية أن تتابعها على هذه القيم مع ثبوت فشلها في مواطنها الأصلية ومسقط رأسها، ومن ناحية أخرى فإن بعض المغفلين من أبناء المسلمين قد ظنوا أن الإسلام قد ذهبت حضارته وولى نوره وأننا محتاجون إلى تلك القيم وتلك الحضارات وأن التقدم والرقي لا يكون إلا باتباع حضارات الغرب وقيمهم وأخلاقهم، ولكن الله سبحانه وتعالى يكشف كل يوم زيف هذا الادعاء فتسقط قيمهم واحدةً تلو أخرى وتتهاوى شعاراتهم التي يطلقونها في العالم يوماً بعد يوم، ومع ذلك فلا زال قوم من بني جلدتنا يدندنون حول حضارات الغرب وقيمه وأخلاقه ويزعمون أنها سبب الرقي والتقدم، ومن أجل هذا وذاك كان لابد من الحديث حول مفهوم القيم الحضارية عندنا نحن (المسلمين) فبضدها تتميز الأشياء.
مفهوم القيم الحضارية:
القيم في اللغة: مصدر بمعنى الاستقامة وقد قال الله تعالى: {دِينًا قِيَمًا} [الأنعام:161] أي: ديناً مستقيماً لا عوج فيه، وقال سبحانه: {وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ} [البيِّنة:5] قال ابن كثير: "دين الملة القائمة العادلة أو دين الملة المستقيمة المعتدلة"، وتأتي القيم في الاستعمال اللغوي بمعنى الأمر الثابت الذي يحافظ عليه الإنسان ويستمر في مراعاته، كما أنها تدل على الانتصاب والعدل والثبات.
أما في اصطلاح الناس فإن القيم: مجموعة المعايير والأحكام النابعة من التصورات الأساسية للإنسان فتكون لدى الفرد والمجتمع سلوكيات واهتمامات مؤثرة في حياتهم (هذا على سبيل العموم).
أما القيم في المصطلح الإسلامي: فإنها تلك التصورات والمفاهيم الصحيحة للكون والإنسان والحياة المستنبطة من خصائص التصور الإسلامي ومقوماته، وهي التي يتميز بها المسلم عن غيره من الناس.
ومن خلال تعريفنا للقيم الحضارية الإسلامية نلاحظ أننا نربطها بمصدرها الأساسي الذي هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقيم الإسلام وحضارته مصدرها القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
كما أن القيم الإسلامية تمتاز عن غيرها بالشمول والتكامل؛ فهي شاملة كاملة تنظم علاقة الإنسان بالكون والحياة وبربه وتنظم علاقته مع بني جنسه، وكذلك تقوم هذه القيم على التوحيد وإفراد الله سبحانه وتعالى بالألوهية والربوبية والملك والتدبير والتحليل والتحريم، وتقوم أيضاً على العدل والمساواة وعلى مبدأ الوسطية والاعتدال: وسطية ليس فيها غلو في جانب الماديات ولا غلو في جانب الروح، وسطية ليس فيها غلو في جانب الدنيا ولا في جانب الآخرة، وسطية ليس فيها غلو في حقوق الفرد ولا غلو في احتياجات الجماعة المسلمة، أما حضارات اليوم فلا تخلو من تطرف وغلو في واحد من هذه الجوانب، فهي إما حضارات مادية بحتة أهلكت جانب الروح أو حضارات روحية بحتة أهلكت جانب المادة، أو حضارات اهتمت بالدنيا وألغت الآخرة أو العكس اهتمت بالآخرة ببدع ورهبانية وألغت الدنيا.
وتتميز القيم الحضارية الإسلامية أيضاً: بأنها مستمرة وعامة؛ لأن الذي أوجدها وشرعها وأمر بها هو الله الذي لا تخفى عليه خافية.. الذي يعلم ما يصلح الكون والحياة.
كما تتميز أيضاً: بالمرونة التي تجعلها صالحة لكل زمان ومكان، وهي مع ذلك تراعي جانب الثبات وجانب المرونة، أما قيم اليوم فقد تغيرت وتبدلت فما كان حراما ًبالأمس صار حلالاً اليوم وهكذا؛ لأنها لا ثبات فيها ولا مرونة، وكذلك فحضارات اليوم متناقضة من مكان لآخر ومن وقت لآخر؛ لأنها نتاج أفكار البشر المجردة.
وتميز القيم الحضارية الإسلامية: بأنها تربط الدنيا بالآخرة جزاءً وعقاباً أجراً وثواباً بخلاف القيم الحضارية الوضعية اليوم فإنها توجد أناساً يهابون القانون ويراقبون الأشخاص فحسب خوفاً من الغرامة والعقوبة في حالة المخالفة، القيم الوضعية توجد مواطنين صالحين في بلدانهم، فإذا خرجوا منها تجاوزوا وتعدوا؛ لأنها قيم مرتبطة بالأشخاص فحسب.

أما القيم الحضارية الإسلامية فإن الرقيب هو الله تعالى الذي يطلع على خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فهي دائمة في الظاهر والباطن في كل زمان ومكان، وتنشئ فرداً صالحاً يحترم هذه القيم سواءً كان في وطنه أو غير وطنه فلا يتعدى ولا يخالف؛ لأنه يعلم بوجود جزاء دنيوي وأخروي لا يمكن التهرب منه.

إن القيم الحضارية التي لابد من إبرازها اليوم موجودة في المجتمع المسلم إلا أنها أصيبت بنوع من الإقصاء أو بنوع من المنافسة الشديدة من قبل الحضارات الأخرى، وأصيبت بجهل أبنائها وظلم أعدائها لها.

إن هناك قيماً حضارية ثابتة وأخرى مرنة، وهذا ضابط مهم لابد من معرفته: فالكذب ما كان يوماً حلالاًً بعد أن كان حراماً بل هو حرام مطلقاً، وغير ذلك من القيم الثابتة المرتبطة بعقيدة الإنسان وثوابته وأخلاقه وتصوراته.
لو نظرنا إلى الأخلاق الموجودة عند الحضارات الوضعية لرأينا التناقض العجيب فإلى زمن قريب كان الشذوذ أمراً مستقبحاً مرفوضاً، ثم مع كثرة الشاذين وموافقة بعض مجالس التشريع في بعض الدول صار الشذوذ قيمة حضارية وألحقت بحقوق الإنسان وبكرامته وأنه يجب أن يحافظ عليه وأن يدعم مثل هذه القيمة، فأي اختلال وفساد أعظم من هذا الذي سببه ربط هذه القيم بالنفس الإنسانية التي إذا فسدت فإنها تقلب المعروف منكراً والمنكر معروفاً، وتريد أن تجعل من أهوائها قيماً وحضارةً وتصوراً، أما القيم الحضارية الإسلامية فإنها مرتبطة بالشرع وبالمحلل والمحرم وهو الله تعالى الحي الذي لا يموت ولا ينسى تعالى في علاه.
وهذا لا يعني أنه لا يوجد بعض الجزئيات المرنة في بعض الأحوال بل هي موجودة ولكنها مضبوطة بضوابط الشرع، فالكذب كما ذكرنا محرم وهو قيمة حضارية ثابتة غير أنه قد يجوز أحياناً عند حصول مصلحة راجحة منه كما لو كان في الحرب أو على الزوجة أو للإصلاح بين الناس، لكن تبقى القيمة كما هي عليه في حكمها الشرعي الأصيل.
والقيم الحضارية الإسلامية شاملة للكليات الخمس التي تقوم عليها حياة الناس وهي: الدين والنفس والعقل والنسل والمال وهذه الكليات الخمس هي التي اتفقت الشرائع السماوية كلها على المحافظة عليها، ولا يوجد من يخالف ذلك إلا بعد التبديل والتغيير الذي حصل في تلك الديانات.
الدين: قيمة حضارية يجب المحافظة عليها ولذلك حرمت الردة، وجاء حكم قتل المرتد من أجل الحفاظ عليها، والدين هو الذي ينظم علاقة العبد بربه سبحانه وتعالى.
كذلك النفس: قيمة حضارية مهمة يجب المحافظة عليها، ولذلك حرم قتل النفس وحرمت كثير من الأشياء التي تؤذي النفس الإنسانية وتفسدها، لقد جاء الإسلام لينظم علاقة الفرد مع نفسه وينظم علاقة هذه النفس مع غيرها.
العقل: الحفاظ عليه قيمة حضارية مهمة، ولذلك حرمت المسكرات والمخدرات وكل ما يذهب بعقل الإنسان أو يفسده، ولو كانت المفسدات معنوية كالشبهات والسحر ونحوها، والحفاظ على هذه القيمة ينظم علاقة الفرد بالجوانب الفكرية والعقلية مع نفسه ومع من حوله من البشر.
النسل: قيمة حضارية أجمعت عليها الديانات كلها، ولننظر كيف غيرت الحضارة الغربية اليوم هذه القيمة حتى صارت أعظم القيم انتهاكاً، فأباحوا كل ما من شأنه أن يفسدها ويأتي عليها من أصلها بالنقض والإفساد، لقد حرم الإسلام الزنا واللواط والاختلاط والإجهاض وحرم كل ما يفسد على الناس نسلهم وأسرهم ومجتمعاتهم، ومن خلال الحفاظ على هذه القيمة تنتظم علاقة الفرد بغيره من الناس.
المال: قيمة حضارية معترف بها في سائر الملل والديانات من حيث اكتسابه وادخاره وإنفاقه، لكن الحضارة الغربية اليوم سنت كثيراً من الأحكام التي انتهكت حرمة هذه القيمة، فأباحت الربا والغش والخداع وغسيل الأموال والسرقة والاختلاس وغير ذلك مما يفسد هذه القيمة العظيمة.
إذا نظرنا إلى شمول القيم الإسلامية وعملنا مقارنة بسيطة مع القيم الغربية المعاصرة فإننا نعرف مقدار نعمة الله سبحانه وتعالى علينا في ثبات هذه القيم واستمرارها ومرونتها وصلاحها لكل زمان ومكان.
وإذا كانت القيم في الغالب إذا أطلقت قصد بها القيم الأخلاقية، لكن هناك فرق بين الأخلاق والقيم وإن كان هناك تقارب في مفهومهما، غير أن القيم أوسع في مفهومها ومدلولها من الأخلاق؛ لأن الخُلق يستند في الحقيقة إلى قيم، وهذه القيم ثابتة وراسخة في سلوك الفرد والمجتمع، ولذلك كانت القيم أوسع من الأخلاق، وتؤتي القيم وظائفها على مستوى الفرد والمجتمع، ومن ذلك أن الإنسان إذا صلحت قيمه وحافظ عليها فإنها تحدد أشكال وأنماط سلوكه في المجتمع، فمن يرى قيمةً معينةً ويؤمن بها فإنها ستؤثر على سلوكه ثأثيراً كبيراً سلباً أو إيجاباً بحسب تلك الصفة وتلك القيمة.

والقيم التي يحتاج إليها المجتمع اليوم موجودة في ديننا الحنيف ولكنها بحاجة إلى إظهار وبسط حتى يتم الانطلاق من قيم ثابتة تضمن لنا النجاح في الحياة.

الغرب اليوم يحمل بعض القيم والأخلاق التي تتعرض كل يوم للانحراف بحسب مصلحة الأشخاص، أما في المجتمع المسلم القيم تعطي الفرد فرصة لتحقيق رضا الله تعالى عليه من خلال معاملته الحسنة وسلوكه الحسن في المجتمع الذي يعيش فيه قال صلى الله عليه وسلم: «من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس» [ابن حبان: (1/511) (277) عن عائشة]. فالقيم الحضارية الإسلامية تنظر إلى جانب علاقتك بالله ورضا الله تعالى عليك، فإذا فعلت ما يرضي الله يسر الله لك رضا الخلق عنك ولو سخطوا عليك في بداية الأمر.
كما أن القيم الحضارية تعطي الفرد فرصة لتحسين وعيه وعقيدته وسلوكه في إطار المجتمع الذي يعيش فيه، وكذلك تضبط شهواته ومطامعه؛ لأنه يعيش في مجتمع يحافظ على الأخلاق والقيم، وكذلك تبعده عن جوانب التعقيد والقلق والاضطراب الذي تعيشه المجتمعات التي تدعي الحضارة والتقدم، وهي أكثر المجتمعات قلقاً واضطراباً، ونظرة واحدة في الإحصائيات الأخيرة في عدد من ينتحرون في البلدان الغربية نجد القلق والتعقيد والاضطراب بجلاء بما لا يحتاج إلى دليل.
إن المجتمعات الغربية وإن ظهر أنها مجتمعات متقدمة مادياً لكنها تعاني من نكسة سلوكية وأخلاقية، وإلا فما الذي يدفع الشخص إلى إهدار دمه وإزهاق روحه، وقد توجد بعض الحالات في بعض المجتمعات الإسلامية لكنها قليلة جداً عند المقارنة بما يحصل في الغرب.
إن القيم الحضارية الإسلامية تعمل على تماسك المجتمع، واليوم قد تصاب بعض المجتمعات بالتشتت والانقسام والتمزق نتيجة لتمزق القيم؛ لأن القيم هي الرباط والوشاج الذي يلف المجتمع ويربطه ويضبطه ويدافع عنه، كذلك القيم الصحيحة تحافظ على استقرار المجتمع وأمنه وهدوئه وسكينته؛ لأنها مرتبطة بمراقبة العبد لربه سبحانه وتعالى فيعمل ما يرضي الله ويبتعد عما يسخطه، أما في المجتمعات التي فسدت فيه القيم فإن الأجهزة الأمنية تتعب كثيراً؛ لأنها تراقب الأفراد الذين ينظرون إن وجد ما يدل على انكشافهم امتنعوا وإن لم يروا أحداً فعلوا تلك الجرائم وتلك الموبقات، أما القيم الإسلامية فإنها تضبط سلوك الإنسان وتضبط المجتمع فتساعد على أمنه واستقراره، وإذا نظرتم في التقارير التي تعملها مراكز الأبحاث الإستراتيجية الغربية حول المجتمع المسلم فإنها تنظر إلى هذه الصورة وهي: لماذا تقل الجريمة في المجتمعات المسلمة، ولماذا المجتمعات المسلمة مترابطة ومتماسكة، ولماذا الأسرة المسلمة محمية، ولماذا توجد علاقات بين الأفراد في المجتمع المسلم، ثم يقيمون الأبحاث من أجل تمزيق الأسرة المسلمة ويتهمونها بأنها مجتمعات متخلفة ورجعية ونحو ذلك من التهم التي تنبئ عن مدى حقدهم وحسدهم..

مواقع عربية بتصرف

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

شكرا لكم يااصدقائي على المعلومات

المواضيع الجديدة